في عالم الأعمال، ليس من السهل مواجهة الأزمات الكبرى دون اختبار حقيقي لقيمك القيادية والإنسانية. وللأسف، فقد فشل الكثير من رؤساء المؤسسات ومدراءها في هذا الاختبار. لكن بوب شابمان، المدير التنفيذي لشركة باري ويهميلر، قدم نموذجًا استثنائيًا في القيادة الأخلاقية والإنسانية خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008. هذه القصة ليست فقط شهادة على قوته كقائد، بل أيضًا على أهمية الهوية القوية للقائد في اتخاذ قرارات حاسمة ومؤثرة.
القصة: شركة صغيرة تتحول إلى رمز عالمي
تأسست شركة باري ويهميلر عام 1885 كشركة أمريكية صغيرة متخصصة في تصنيع معدات وآلات لصناعة الزجاجات. وعلى مدى عقود، ظلت تعمل بنطاق محدود وبنمو بسيط. وفي عام 1975، تولى بوب شابمان قيادة الشركة وهو في الثلاثين من عمره فقط. تحت قيادته، بدأت الشركة في اتخاذ خطوات جريئة نحو التوسع والنمو، حيث دخلت مجالات جديدة مثل التعبئة والتغليف، ونجحت في تحقيق توسع كبير حتى بلغ عدد موظفيها عام 2008 حوالي 7,000 موظف، وايرادات قاربت المليار دولار.
لكن عام 2008 كان عامًا استثنائيًا، حيث اجتاحت الأزمة المالية العالمية الأسواق، وواجهت باري ويهميلر انخفاضًا حادًا في الإيرادات والتدفقات النقدية. وبدا أن تسريح الموظفين هو الخيار الوحيد لإنقاذ الشركة. لكن شابمان رفض هذا الخيار بشكل قاطع، مؤمنًا أن موظفيه ليسوا مجرد أرقام في ملفات المؤسسة، بل هم أساس نجاح الشركة وجوهرها.
الإبداع في القيادة خلال الأزمات
بدلًا من اتخاذ القرار التقليدي بتسريح الموظفين، قدم شابمان فكرة مبتكرة ومبنية على قيمه القيادية. اقترح برنامج إجازات غير مدفوعة بالتناوب، حيث يُطلب من كل موظف، بما في ذلك القيادة العليا، أخذ إجازة غير مدفوعة الأجر لمدة أربعة أسابيع، وبما يتناسب مع ظروفه الشخصية والتزاماته العائلية. هذا القرار لم يكن فقط اقتصاديًا، بل كان أيضًا قرارًا أخلاقيًا يعكس التزامه بمبادئ العدالة والمشاركة والشفافية. وأوضح شابمان ذلك في مقولته للموظفين ومتخذي القرار بالشركة حيث قال:
من الأفضل أن نعاني جميعاً قليلاً، أفضل من أن يعاني بعضناً كثيراً. فالألم يجب أن نتقاسمه جميعًا، وليس أن يتحمله البعض وحدهم
استجابة الموظفين: الثقة والولاء
القرار الذي اتخذه شابمان لم ينقذ الشركة فقط، بل أظهر أيضًا كيف يمكن للقيادة المبنية على القيم أن تبني الثقة والولاء. استجاب الموظفون بروح من التعاون والتضامن، حيث تطوع البعض لتحمل إجازات أطول لدعم زملائهم الذين كانوا في أوضاع مالية أصعب. هذا النهج لم يحمِ الوظائف فقط، بل عزز أيضًا ثقافة الاحترام المتبادل والثقة بين القيادة والموظفين.
نتائج ملموسة: الشركة بعد الأزمة
بفضل قرارات شابمان وهويته القيادية، لم تخرج باري ويهميلر من الأزمة فقط، بل أصبحت أقوى. اليوم، تضم الشركة حوالي 12,000 موظف وتحقق إيرادات سنوية تتجاوز 3 مليارات دولار. الأهم من ذلك، أصبحت مثالًا يُدرس عالميًا عن القيادة القائمة على القيم، وأصبح شابمان نموذجاً للقائد صاحب القيم الثابتة والهوية الأخلاقية القوية.
هوية القائد في قرارات شابمان
القيادة، كما يتضح في قصة شابمان، ليست مجرد أدوار أو مهام تؤدى، بل هي انعكاس لهوية قوية، بما في ذلك القيم الثابتة والرؤية الطموحة. الهوية القيادية لشابمان تميزت بثلاثة مبادئ جوهرية:
- الإنسانية أولاً: أدرك شابمان أن الموظفين ليسوا مجرد أرقام، بل أفراد يمتلكون أحلامًا ومسؤوليات. هذا الفهم جعله يتخذ قرارات تحترم إنسانيتهم.
- القيم الثابتة: التزامه بالقيم الأساسية مثل العدالة، الشفافية، والمشاركة، كان حاضرًا في كل خطوة اتخذها.
- رؤية طويلة المدى: بدلاً من التركيز على الخسائر الآنية، رأى شابمان أن الحفاظ على الموظفين سيعزز ولاءهم وإنتاجيتهم على المدى البعيد.
ما الذي نتعلمه من هذه القصة؟
- هوية القائد هي الأساس: القادة الذين يمتلكون هوية قيادية قوية يتمتعون بالقدرة على اتخاذ قرارات أخلاقية وشجاعة.
- القيم ليست اختيارًا: القيادة الحقيقية تتطلب الالتزام بالقيم حتى في أصعب الظروف.
- الثقة تُبنى بالأفعال: عندما يرى الموظفون أن قائدهم يضعهم في مقدمة أولوياته، فإن ولاءهم لمؤسساتهم يزداد.
كن قائدًا يلهم الآخرين
تجربة بوب شابمان هي تذكير قوي بأن القيادة ليست مجرد قرارات إدارية، بل هي انعكاس للهوية والقيم. إذا كنت ترغب في تطوير هويتك القيادية وبناء تأثير مستدام في حياتك المهنية والشخصية. انضم إلى دورتنا التدريبية عن هوية القائد وعلم نفس القيادة واكتشف كيف تصبح القائد الذي يلهم الآخرين.