ستيف جوبز: عندما تجتمع اليقظة الاستراتيجية وفطنة الأعمال
في عام 1976، اجتمع شابان طموحان في مرآب صغير بمدينة لوس ألتوس بولاية كاليفورنيا، ليؤسسا شركة ستغير وجه التكنولوجيا إلى الأبد. ستيف جوبز وستيف وزنياك، الصديقان اللذان جمعتهما رؤيتهما الاستراتيجية وفطنتهما في قراءة الظروف والمتغيرات وتوجههما نحو الابداع والابتكار، فأطلقا شركة آبل برؤية واضحة تعتمد على تبسيط التكنولوجيا وتوصيلها الى كافة المستخدمين، وهي خطوة استراتيجية مبكرة تُظهر يقظة استراتيجية استثنائية تجاه احتياجات السوق المستقبلية.
ولكن للأسف ورغم تحقيق العديد من النجاحات المتتالية، إلا أن توسع الشركة وتنوع مجلس إدارتها تسبب في ظهور الخلافات بين ستيف جوبز ومجلس إدارة الشركة حول الاستراتيجيات والتوجهات المستقبلية، فلم تكن هذه مجرد خلافات إدارية بسيطة، بل كانت نتيجة لاختلاف كبير في الرؤى حول كيفية الحفاظ على الاستدامة والتكيف مع المتغيرات في السوق. وبالتالي ففي عام 1985، وبعد صراعات طويلة، قرر جوبز مغادرة آبل، لكنه لم يتوقف عن ممارسة شغفه بالتكنولوجيا وريادة الأعمال فأسس شركة نكست (NeXT)، التي ركزت على تطوير أنظمة تكنولوجية متقدمة وسباقة – والتي تم استخدامها لاحقا مع منتجات آبل.
خلال فترة غياب ستيف جوبز، افتقدت آبل يقظته الاستراتيجية وفطنته الإدارية، فتراجعت مستوى ابتكاراتها رغم توسع مجالاتها، مفتقدة للتركيز الاستراتيجي، مما أدى إلى تدهور مبيعاتها وبالتالي أرباحها وتراجع مكانتها السوقية. في عام 1996، أدركت إدارة شركة آبل أن عودتها إلى مسار النجاح لن يحدث بدون عودة فكر المؤسس ستيف جوبز بجداراته القيادية وفطنته الإدارية وتوجهاته الإستراتيجية، فعرضت على ستيف جوبز الرجوع لإدارة شركة آبل من خلال ضم شركة NeXT لشركة أبل في صفقة استحواذ لصالح شركة آبل مقابل 427 مليون دولار قيمة شركة NeXT، فكانت طوق النجاة لشركة آبل.
عند عودته في عام 1997، تولى جوبز منصب الرئيس التنفيذي، وبدأ في تنفيذ سلسلة من القرارات الاستراتيجية المستندة إلى فطنته ويقظته الاستراتيجية المستمرة. وأدرك أن التنوع غير المدروس للمنتجات وتشعبها كانا من أسباب تشتت جهود الشركة وفقدانها لبوصلتها الابتكارية. لذلك، وبفضل فطنته ويقظته الاستراتيجية، قرر تقليص خط الإنتاج والتركيز على تطوير عدد محدود من المنتجات المتميزة. وفي نفس العام جاءت ثمرة هذه القرارات، فأطلقت آبل جهاز ال iPhone، وفي عام 1998 أطلقت جهاز iMac، والذين يعتبروا طفرة في مجال أجهزة الهاتف المحمول والحواسيب، مما ساهم في إعادة الثقة إلى العلامة التجارية وزيادة المبيعات بشكل ملحوظ.
لم تتوقف رؤية جوبز الاستراتيجية عند حدود تطوير المنتجات، بل امتدت إلى بناء شراكات ذكية تعزز موقع آبل في السوق، فأيضا في عام 1997 وفي خطوة مفاجئة، أعلن عن تعاون مع منافسته الكبرى مايكروسوفت، حيث استثمرت الأخيرة 150 مليون دولار في آبل، ولم يكن هذا القرار عادياً أو متوقعاً، بل كان قرارًا استراتيجيًا أثر كثيرا على استقرار آبل المالي واستعادة ثقة المستثمرين، وهي خطوة تعكس فطنة أعمال استثنائية لدى ستيف جوبز وبراعته في إدارة العلاقات المؤسسية.
كما أدرك جوبز أهمية خلق تجربة مستخدم متكاملة، وهو ما يتجسد في إطلاق متجر آبل أيضا عام 1998، الذي وفر منصة لبيع التطبيقات والبرمجيات، هذه الاستراتيجية لم تكن مجرد تحسين الخدمات أو تنوع المنتجات، بل كانت خطوة استباقية لاستغلال تحول السوق نحو الخدمات الرقمية، وزيادة ولاء العملاء من خلال بناء نظام متكامل مما يعكس يقظة استراتيجية وفطنة أعمال مذهلة.
عزيزي القارئ دعنا نلخص ما سبق في أن نجاح آبل في التحول من شركة مهددة بالانهيار إلى واحدة من أكثر الشركات قيمة وتأثيرًا في العالم لم يكن صدفة، بل كان نتيجة مزيج قوي من فطنة الأعمال واليقظة الاستراتيجية لدى قائدها، فمن خلال الرؤية الاستراتيجية الاستباقية، واتخاذ قرارات فعالة وجريئة، والتكيف مع المتغيرات بفطنة، تمكنت آبل من تحقيق نتائج مذهلة نراها ونحياها جميعاً. فالقادة الذين يجمعون بين فطنة الأعمال واليقظة الاستراتيجية هم القادرون على تحويل التحديات إلى فرص وبناء مستقبل مبهر لمؤسساتهم.
إذا كنت تريد أن تكون أحد هؤلاء القادة المتميزون الذين يمتلكون جدارات اليقظة الاستراتيجية وفطنة الأعمال أنضم الينا في برنامجنا التدريبي المتميز في جلوماكس حول الوعي الاستراتيجي والفطنة في مجال الأعمال
