حوكمة الأزمات: كيف تدير الحكومات الكوارث و الأزمات المعقدة؟

التحول من ردّ الفعل إلى الاستباق: مفاتيح بناء حوكمة أزمات فعالة
مقدمة
في عصر تتسارع فيه الكوارث الطبيعية، والجوائح الصحية، والأزمات الاقتصادية، والصراعات الجيوسياسية، لم تعد إدارة الأزمات مجرد وظيفة استثنائية أو مؤقتة داخل الحكومات، بل أصبحت عنصرًا استراتيجيًا في صميم الحوكمة العامة. تظهر أهمية “حوكمة الأزمات” كإطار شامل يجمع بين القيادة الفعالة، والمرونة المؤسسية، واتخاذ القرار الاستباقي ضمن منظومة متكاملة من الشفافية والمساءلة.
لقد كشفت جائحة كوفيد-19، وأزمات المناخ، والاضطرابات العالمية، عن هشاشة بعض الأنظمة الحكومية في مواجهة التعقيد و حالة عدم اليقين، مما دفع العديد من الدول إلى إعادة صياغة سياساتها ومقاربتها للأزمات، ودمج التفكير الاستراتيجي والمرونة التنظيمية ضمن بنيتها المؤسسية.
فكيف يمكن للحكومات أن تتحول من نماذج رد الفعل إلى نماذج التوقع؟ وكيف تُبنى حوكمة فعالة للأزمات المعقدة متعددة الأبعاد؟
أولًا: من إدارة الأزمات إلى حوكمتها
- الإدارة التقليدية للأزمات تركّز غالبًا على التعامل مع الحدث بعد وقوعه، بينما حوكمة الأزمات تتبنى نهجًا استباقيًا يستند إلى الاستعداد، والمرونة، والتنسيق المؤسسي متعدد المستويات.
- حوكمة الأزمات ترتكز على تصميم هيكليات وسياسات دائمة، وليس فقط إجراءات طارئة.
ثانيًا: ركائز حوكمة الأزمات الناجحة
- القيادة الاستراتيجية والرشيدة
- وجود قادة قادرين على اتخاذ قرارات حاسمة في ظل الغموض، وبناء الثقة مع المواطنين.
- القيادة التشاركية التي تنسق بين مختلف الجهات المعنية: الحكومية، والأمنية، والصحية، والمجتمعية.
- الجاهزية المؤسسية والمرونة التنظيمية
- وجود خطط استجابة شاملة ومحدثة، تشمل سيناريوهات متعددة واحتمالات متباينة.
- مرونة الأنظمة الإدارية والرقمية لتكييف الإجراءات بسرعة.
- الشفافية والتواصل الفعّال
- نقل المعلومات بشكل واضح وفوري، لمنع الشائعات وتعزيز الطمأنينة المجتمعية.
- تبني أدوات التكنولوجيا الحديثة في الإبلاغ والإرشاد والتوجيه الجماهيري.
- التنسيق متعدد المستويات
- تكامل بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني.
- تعاون إقليمي ودولي لمواجهة الأزمات العابرة للحدود.
- الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة
- استخدام التحليلات التنبؤية لتحديد المخاطر قبل وقوعها.
- دعم القرار الحكومي في تخصيص الموارد وتوجيه الاستجابات.
ثالثًا: التحديات التي تواجه حوكمة الأزمات
- تسييس الأزمات وتأثير المصالح الضيقة على القرارات المصيرية.
- ضعف التكامل بين الجهات الحكومية وازدواجية الأدوار.
- فقر البيانات أو غياب أنظمة الرصد المبكر.
- محدودية الكوادر المؤهلة في مجال إدارة الكوارث ضمن القطاع العام.
رابعًا: نماذج ملهمة لحوكمة الأزمات
- كوريا الجنوبية: نموذج فعّال في استخدام التكنولوجيا والبيانات المفتوحة خلال جائحة كورونا.
- نيوزيلندا: أظهرت قيادة حازمة وشفافة في الأزمات الصحية والبيئية.
- سنغافورة: طورت منظومة مؤسسية للتوقع والتحكم الاستباقي بالأزمات.
خامسًا: توصيات لتعزيز حوكمة الأزمات في العالم العربي
- تأسيس وحدات دائمة لحوكمة المخاطر والأزمات داخل الوزارات والهيئات.
- تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص والتقني لتطوير بنى تحتية ذكية للأمن والاستجابة.
- دمج برامج تأهيل القادة الحكوميين في إدارة الأزمات ضمن الخطط الاستراتيجية.
- إجراء محاكاة دورية للأزمات المعقدة لضمان الجاهزية المؤسسية.
- تبني أطر قياس أداء واضحة لتقييم الاستجابات والتحسين المستمر.
خاتمة
إن بناء منظومة قوية لحوكمة الأزمات لم يعد ترفًا، بل أصبح أولوية وجودية في إدارة الدول الحديثة. فالعالم مقبل على مزيد من التعقيد والتقلبات، ولن تتمكن الحكومات من الصمود إلا إذا استثمرت في مؤسسات مرنة، وقيادات قادرة، ونُظم استشرافية تحوّل الأزمات من تحديات خانقة إلى فرص للتطوير والابتكار وبناء الثقة مع المجتمع.
تدعوكم جلوماكس لإستكشاف الدورات التدريبية التي تساهم في تعزيز مهارات التعامل مع و الإستجابة للكوارث لضمان إستمرارية الأعمال:




